( لا حياة وراء الأصحاب ) ..*
وقصة البئر المهجور التي أبتلعت (خيرة) الشباب !!
كتبها/ سالم الزروق الحامدي
لكونها مصطلحا يحمل دلالات عظيمة وأهداف سامية ونبيلة ترتقي لمنزلة الشهادة ، فإن تضحية الإنسان بنفسه من أجل الآخر:(الوطن .. الأسرة .. الصديق .. الحبيبة) ، ما هي إلا صفحات ناصعة لمواقف ملؤها الفخر والاعتزاز ودافعها التضحية والإيثار والشهامة والرجولة والثبات على المبدأ ، لازالت تطالعنا بها الذاكرة الشعبية القديمة الحُبْلَىَّ بالكثير من القصص والحكايات المتوارثة عن ماضي أجدادنا المُشَرِفْ ، وكلمة (التضحية) التي يقدمها المُضَحي بنفسه وبمحض إرادته بغية الوصول لغاية وهدف منشود ، لم أجد لها تعريفا أكثر دقة وشمولآ سوى أنها تعني :
:
تقديم الغالي لنيل الأغلى .. وبيع النفيس لشراء الأنفس ، حيث أنها كمفهوم عام في (عُرِفْ) من يعرف قدر ومعدن الرجال تعني : الفداء , والوفاء , والإيمان , والشهامة ، والمروءة ... لكونها تُعَدْ نتاج نزعة خيرة ومباركة تحمل أسمى المعاني وأنبل المشاعر وتعكس دون شك نخوة ومعدن أصحابها ، فالتضحية إذا ما كانت في سبيل الأهل والأحبة فذلك هو المعنى الحقيقي للوفاء وصدق الانتماء ، وتكون الرجولة والشرف بعينه إذا ما كانت في سبيل أداء الواجب والذود عن حمى الوطن الحبيب ..
فكمٍ من رجال أصحاب نخوة وشهامة قدموا أروحهم الثائرة وقلوبهم الطاهرة النقية فداءا لوطنهم الغالي لنيل الشهادة وإبتغاء الخلود ، من أجل أداء واجباتهم الوطنية ونصرة الحق والعدالة والحفاظ على أمن واستقرار مجتمعهم وسلامة مواطنيهم .. ولنا في بعض مواقف ومآثر رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم" وصحابته الأكارم خير الأمثلة ، إلى جانب آلاف القصص والمواقف البطولية التي سطرها أفراد الجيش والأمن ورجال الإنقاذ في أغلب دول العالم بحروف من دم ، ذودا عن حمى أوطانهم وبغية المحافظة على سلامة أهلهم وذويهم ..
وكمٍ من " عاشقٍ ولهان " عانى الأمرين وضحى بكل ما يملك من أجل الظفر بقلب محبوبته ليعيشا معا في سعادة وحب ووئام .. حيث طالعتنا الأخبار بقصة تجسد المعنى الحقيقي للحب والتضحية من أجل المحبوبة ، بطلها شاب سعودي أصر على الزواج من محبوبته رغم بثر ساقيها نتيجة إصابتها بالسكري ، مسفها بذلك كل محاولات أسرتيهما اللتين أتهمتاه بالجنون لتمسكه بها في محاولة يائسة لثنيه عن ذلك .. فكان رده : (أنا لم أحب فيها الجسد لكي أتركها عندما يعتل !!) ، فقام بشراء أجهزة ومعدات طبية بآلاف الدينارات وتحويل غرفة نومه لأشبه ما يكون بغرفة عناية فائقة ، ولم يتوقف وفائه لمحبوبته عند الـ 8 أشهر التي قضياها معا قبل أن تفارق محبوبته الحياة بذات الأسباب ، بل طالب أسرته بعدم المساس بأغراض زوجته أو تغيير أي شي في آثاث منزله ، لإحساسه بأنها لازالت باقية في وجدانه وأنه يرى صورتها دائما ماثلة أمام ناظريه في أرجاء المنزل ..
والأب أيضا يضحي بجهده ووقته وأحلامه ويتحمل مشاق الحياة من أجل أن يرى السعادة مرتسمة على شفاه أبنائه وبناته ، وإيجاد جو ملؤه السعادة والرفاهية والهناء على حياة أسرته .
وكذا الحال بالنسبة للأم الفاضلة .. الحريصة دائما على إنجاح وديمومة مشوار حياتها الأسرية ، تُعَدْ خير مثال في التضحية بطموحاتها وراحتها وشبابها ، وبذل المزيد من الجهد المضني والسهر حرصا على راحة وسعادة أبناؤها وزوجها ، وإضفاء اجواء ملؤها الدفء والمحبة داخل كيان الأسرة ..
وهذه القصة المؤثرة جدا تجسد صفات العطف والحنان والتضحية لآخر نفس من أجل أقرب الناس إلى قلبها ، وهي تسرد لنا وقائع قصة التضحية المستميتة التي قامت بها أحد الأمهات الفضليات من أجل أطفالها الثلاثة ، بعد محاولتها اليائسة إنقاذهم من الموت نتيجة الحريق الهائل الذي أتى على منزلهم بالكامل ، والمؤثر في المشهد أنه عندما حاول رجال الإطفاء إنتشال جثة الأم فإذا بهم يجدونها محتضنة أطفالها الثلاثة وجميعهم جثث هامدة بسبب الإختناق .. وطالما نتفق جميعنا على أن التضحية والإيثار بالنفس في سبيل الآخرين وبمعزل عن المصلحة الشخصية للمضحي أمر عظيم ومُشَرِفْ ..
أسمحوا لي أعزائي الأكارم أن أسرد لكم أحداث إحدى القصص المؤثرة والمُشَرِفَةَ في ذات الوقت ، والتي لازالت ماثلة في أذهان أهلها لكون بعض الأبناء وأغلب الأحفاد لا يزالوا على قيد الحياة ..
بئر " المُوْلِي " .. وإبتلاع (خيرة) الشباب !!
وحيثيات القصة ت
عود لإعتزام عدد من أبناء الحوامد بقرية الزيغن الواقعة في الجنوب الليبي ، وهم شباب في مقتبل الثلاثينات بإعادة حفر بئر تخصهم تسمى: (بئر المُوْلِي) ، كانوا يستغلونها للشرب والغسل ـ كسائر أهل المنطقة ـ قبل أن تهجر ، وفي وقت الظهيرة تماما حيث كان المجتمعون يتأهبون فيه للنزول للبئر وبداية الحفر، أصَرْ بعضهم على تناول وجبة الغذاء أولا ومن تم الشروع في مباشرة العمل ، إلا أن " عناد " البعض الآخ
برمي "عدة الشغل" (كالفأس والبالة والسطل) في البئر أولا ، وتأهب للنزول على أمل أن يلحقه الآخرين تباعا وعند وصوله للأسفل بدأت المأساة ، التي استدعت نزول شقيقه/الزروق بن عبد الله بن سليمان الحامدي* بعد أن تأكد الجميع بأن عبد السلام لم يستجيب لنداءاتهم المتكررة ، وبعد أن تعالت إستغاثاث الرجال وصرخات النساء التي رددت أصداؤها مختلف الأرجاء ، وأستنفرت بموجبها القرية بشيبها وشبابها ليتضح للجميع بأن الزروق أيضا لاقى نفس المصير الذي واجه أخيه ، وفي محاولة يمكن أن يطلق عليها إنتحارا ورغم تأكد الجميع بأن الموت قد لحق بالأخوين الشقيقين ، قام إبن عمهم/ عبد الرحمن بن حامد بن الأمين الحامدي*برمي "عدة الشغل" (كالفأس والبالة والسطل) في البئر أولا ، وتأهب للنزول على أمل أن يلحقه الآخرين تباعا وعند وصوله للأسفل بدأت المأساة ، التي استدعت نزول شقيقه/الزروق بن عبد الله بن سليمان الحامدي* بعد أن تأكد الجميع بأن عبد السلام لم يستجيب لنداءاتهم المتكررة ، وبعد أن تعالت إستغاثاث الرجال وصرخات النساء التي رددت أصداؤها مختلف الأرجاء ، وأستنفرت بموجبها القرية بشيبها وشبابها ليتضح للجميع بأن الزروق أيضا لاقى نفس المصير الذي واجه أخيه ، وفي محاولة يمكن أن يطلق عليها إنتحارا ورغم تأكد الجميع بأن الموت قد لحق بالأخوين الشقيقين ، قام إبن عمهم/ عبد الرحمن بن حامد بن الأمين الحامدي* باللحاق بهم على أمل إنقاذهم ولكن لحاقه بالرفيق الأعلى كان أقرب لهم جميعا .. باللحاق بهم على أمل إنقاذهم ولكن لحاقه بالرفيق الأعلى كان أقرب لهم جميعا ..
ر كان سيد الموقف بحجة أن " النهار قصير" ولا ينبغي المماطلة ، وفي هذه الأثناء قام المواطن/عبد السلام بن عبد الله بن سليمان الحامدي*
برمي "عدة الشغل" (كالفأس والبالة والسطل) في البئر أولا ، وتأهب للنزول على أمل أن يلحقه الآخرين تباعا وعند وصوله للأسفل بدأت المأساة ، التي استدعت نزول شقيقه/الزروق بن عبد الله بن سليمان الحامدي* بعد أن تأكد الجميع بأن عبد السلام لم يستجيب لنداءاتهم المتكررة ، وبعد أن تعالت إستغاثاث الرجال وصرخات النساء التي رددت أصداؤها مختلف الأرجاء ، وأستنفرت بموجبها القرية بشيبها وشبابها ليتضح للجميع بأن الزروق أيضا لاقى نفس المصير الذي واجه أخيه ، وفي محاولة يمكن أن يطلق عليها إنتحارا ورغم تأكد الجميع بأن الموت قد لحق بالأخوين الشقيقين ، قام إبن عمهم/ عبد الرحمن بن حامد بن الأمين الحامدي* باللحاق بهم على أمل إنقاذهم ولكن لحاقه بالرفيق الأعلى كان أقرب لهم جميعا ..
( لاحياة وراء الأصحاب )
كم هو رائع وجميل أن ترى إنسان يضحي بجهده وماله من أجل إسعاد الأخرين أو العمل على تخليصهم من مأزق أو ضائقة تساهم في تخفيف الأعباء عنهم ، وهذه الأشياء لا تحدث إلا في مجتمعات تسودها الفضيلة والقيم النبيلة ، ولكن الأروع هو أن تجد من يرمي بنفسه للتهلكة ويخاطر بها بهدف إنقاذ أحباءه وأعزائه ، وهو ما قام به بالفعل المواطن/ عبد السلام بن أحمد بن ضو* من أبناء قبيلة الجوازي بالزيغن ، عندما شاهد بأم عينيه أخواله وأعز أصدقائه وهم يتساقطون في البئر الواحد تلو الأخر ـ كثمار الخريف ـ ، عندها تدفقت الدماء " الحَارْةَ " في سائر جسده وصرخ بأعلى صوته :(لا حياة وراء الأصحاب)
وفي أشبه بالانتحار قام على الفور برمي نفسه بالبئر للحاق بهم ليقدم بذلك درسا مستفادا في التضحية من أجل الآخرين ، ولا ننسى أن نذكر بأن عدد آخر من المنقذين حاولوا هم الآخرين رمي أنفسهم بالبئر للحاق بأصحابهم ، ولكن حكمة البعض وحؤولهم دون أن يزداد عدد الضحايا حالت دون أن يتحول المشهد لكارثة ، هذا الموقف المشرف ومثيلاته في التضحية لا ينكره أو يتنكر له إلا الجاحد أو الناكر للجميل ممن لا يضع قدرا لمعادن الرجال ، وشاهد حي يجسد روح الألفة والمحبة والتضحية لأبناء مجتمعنا ، الذين ـ كانوا ولا يزالون ـ كالجسد الواحد إذا أشتكى أي عضوا منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ..
البئر "مسكونة " .. والجان ((كَسْرَ)) رقابهم !!
الفور برمي نفسه بالبئر للحاق بهم ليقدم بذلك درسا مستفادا في التضحية من أجل الآخرين ، ولا ننسى أن نذكر بأن عدد آخر من المنقذين حاولوا هم الآخرين رمي أنفسهم بالبئر للحاق بأصحابهم ، ولكن حكمة البعض وحؤولهم دون أن يزداد عدد الضحايا حالت دون أن يتحول المشهد لكارثة ، هذا الموقف المشرف ومثيلاته في التضحية لا ينكره أو يتنكر له إلا الجاحد أو الناكر للجميل ممن لا يضع قدرا لمعادن الرجال ، وشاهد حي يجسد روح الألفة والمحبة والتضحية لأبناء مجتمعنا ، الذين ـ كانوا ولا يزالون ـ كالجسد الواحد إذا أشتكى أي عضوا منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ..
ولأن اغلب السكان ـ آنذاك ـ كانوا على سجيتهم وعفويتهم الشديدة وثقافتهم العلمية المحدودة التي قادتهم للإعتقاد الراسخ بأن البئر (مسكونة) ، وأن عائلة الجان كانت مجتمعة على تناول وجبة الغذاء لتتفاجأ بسقوط الفأس على رأس طفلهم ، وأدى إلى تهشم جمجمته مما دفعهم للأنتقام سريعا بكسر رقبة كل من ينزل للبئر ، الأمر الذي تطلب تدخل الأخوين/ الشعاب ، وبركة بن إبراهيم للنزول للبئر لإنتشال الجثث الأربع ، لكونهما (محصنين) بالأحجبة والتماتم التي تحول دون أن يعترضهم الجان أو يمسهم ..
فهل نستلهم العبر والدروس المستفادة من مثل هذه القصص ، التي تعكس أصالة وشهامة ومروءة الآباء والأجداد ونترجمها إلى وقائع ملموسة في تعايشنا اليوم ؟؟
الهوامش:ـ *
قصة مُشَرِفَةَ
لمأساة واقعية شهدتها قرية الزيغن بالجنوب الليبي عام 1943 ف .
*عبد السلام بن عبد الله بن سليمان الحامدي : هو جد العقيد/ الزروق محمد عبد السلام عبد الله .. رئيس فرع إدارة الإطفاء والسلامة بالمنطقة الجنوبية
* الزروق بن عبد الله بن سليمان الحامدي : هو جد الأخ الأستاذ/ عبد السلام عبد الله الزروق .. أمين المؤتمر الشعبي الأساسي الزيغن
* عبد الرحمن بن حامد الحامدي : هو جد عقيد مهندس/ مصطفى محمد عبد الله الحامدي .. كلية الهندسة العسكرية .. وشقيق/عبد اللطيف بن حامد الحامدي أو (شهيد الغرفة) كما يسميه أبناء الحوامد ، والذي سقط صريعا من قمة نخلة عالية على أثر إصابته برصاصة متعمدة من قبل " الفلاقة" الغزاة الذين كانوا يحاصرون الزيغن وقتذاك ، حيث أمره أخوه عبد الرحمن بالصعود للنخلة وقطع "عرجون" التمر لإطعام نساء قبيلة الشنارات الصديقة والمحاصرات منذ 3 أيام مع أزواجهن داخل حي قديم يسمى (الغرفة) لكي يقتاتن به ويتمكنن من إرضاع أطفالهن الجوعى ، وعندما رفض تعليمات أخوه/ عبد الرحمن في بادئ الأمر متعللا بالقول:(سيقنصوني يا أخي !!) ، هنا صرخ عبد الرحمن في وجه شقيقه طالبا منه الصعود فورا للنخلة ، وما أن صعد وتمكن من قطع "العرجون" فإذا برصاصة غادرة تستقر في جسده ليسقط هو والعرجون من أعلى النخلة .. وبذلك يقدم هو الآخر درسا مستفادا في التضحية من أجل الآخرين. * عبد السلام بن أحمد بن ضو الجازوي : هو عم والد الدكتور/ عبد السلام أحمد ضو .. سفير ليبيا في سوريا الشقيقة
0 التعليقات:
إرسال تعليق