مقال رائع عن عمان الابية ربي يحفظكم ويديم اقلامكم
والسموحة يااستاذ السامرائي لاني ضفت صور ع مقالك
سياحة الخلاّن في سلطنة عُمان
] تعليقات نثرية – تراثية حول الرحلة العمانية [
بقلم : عبد الجبار محمود السامرائي/ العراق – محافظة صلاح الدين
كاتب وباحث في التاريخ والتراث
استهلال
حّبذا عندي جناح ٌ مثــل ذاك الكروان
ثم أقضي كلَّ عُمري في جنان ٍ بعُمان
فريق الرحلة .. مَــن هـم ؟
العُمان عليكم ورحمة منه تعالى وبركات .
· أما قبل ُ ، فهم ثلاثة خِلاّن ، أعمنوا بعُمان .
-
أولهم : السيد محمد الهاشمي ، دام ظِلّه ، الرائد الذي لايكذب أهله ، فرد دهره ، ونسيج وحده ....
يا رئيس (( المستقلّة )) إيْ وربي أنت ( فَلّه ) (1)
عندما جُبت َ عُمانا ً قد نقلت الحُسن َ كلّه
- وثانيهم : الجنابيّ عباس ، (( مالئ الدنيا وشاغل الناس ))، شاعر البداهة والارتجال ، والمحلّق في سماوات الحقيقة والخيال .
- وثالثهم : النجيب المراد ، الأديب اللبيب ، والغصن الرطيب ، هو ابن الغوطتين ، وصاحب الإمارتين : إمارة الشعر ، وإمارة النثر .
إني أبايع شاعرا ً متألقا ً • بالقلب والإحساس لا بلساني
أما بعد ُ ، فكان يعوز فريق الرحلة ، فارس الكلمة الجزلة ، الأديب الألمعي ، أبو الطيب الحلبي(2) ، الرجل الذي أطاعته أعنّة الكلام ، وكان قوله في البلاغة ما قالت حُذام . فلو كان ضمن الثلّة المرحة ، لاكتملت به حّبات المسبحة .
العراق يُصلّي في عُمان
·
أدخلنا فريق الرحلة الكريم ، إلى جامع السلطان قابوس الكبير . شيده جلالته بمسقط ، على نفقته الخاصة فقط . صمم الجامع المهندس المعماري العراقي الجنسية ، البروفسور محمد صالح مكية . استلهم المصمم هندسته من حضارات الحجاز وبيت المقدس ، ومن حضارات بلاد المغرب والأندلس ، ومن حضارات العراق و مصر وتونس والعثمانيين والفرس .
في الجامع المهيب ، سجادة ذات حجم كبير ، مساحتها الكلية أربعة آلاف ومائتين وستين بالمتر المربع ، لذلك دخلت موسوعة جينيس من الباب الأوسع .
جنـّة الورد
جنة ُ الورد ههنا في عُمان ِ تتباهى في مسجد الرحمن
كلُّ لون ٍ يروي قصيدة شعر ٍ تتغنى بزاهيـــات المعاني
هكذا أنشد شاعرنا الوجداني ، عباس الجنابي (3) وهو يقف قبالة روضة الأزاهير ، في جامع السلطان قابوس الكبير . الجنابي الأديب الأريب ، كان في موقع المفوّه الخطيب ، جمهور الورد كان يصغي إلى خطابه بإعجاب ، لحلاوته وطلاوته وسحره الخلاب .
قلت محاكيا ً البلبل الصّداح ، الشاعر الجنابي اللّماح :
قـُل لمن زاد علمنا ببيـــان ٍ أنت بالوصف ساطع التبيان ِ
كل ّ ما ضّم وصفه كلمات ٌ وإليه ِ انتمت قبيل(4) المعان
الهاشمي .. يُدندن
·
((شخصية العماني معجونة من شموخ الجبال ومن هدير البحر )) . هكذا دندن حبيبنا محمد الهاشمي على وتر ، وقد انطوت دندنته على ثاقب نظر . فالعماني سبع ضار ٍ قوّي الشكيمة ، والعماني يتسم بالحنكة وقوّة العزيمة ، ورث القوة من عنفوان الجبال الشُم ّ، وورث العزيمة من هيجان البحر الخضمّ. والعمانيون رجال أُباة ، زلزلوا الأرض تحت أقدام الغزاة .
(( وإذا دعوتهم ُ ليوم كريهــة ٍ
سـدّوا شعاع َ الشمس ِ بالفرسان ِ))
أقول للعماني المهذب ، والسيف الهندواني المجرّب :
(( سِر شامخا ً وابن ِ الحياةَ َ قديرا
فلقد نشأت مع الكفاح ِ كبيرا
ما نالت الأحداثُ منك ، وصوتها
قد كان في سمع الزمان هديرا )).
من طبع العُماني الكريم ، أنه لا يغامر إلاّ من أجل شرف مروم ، (( ولا يقنع بما دون النجوم )).(5)
القلاع والحصون العُمانية
· توغل فريق الرحلة العمانية ، في رحاب القلاع والحصون التاريخية ، منها حصن جبرين في بهلا ، والقلعة العظيمة في نِزوى . وإذا افتخرت مصر بأهرامات الفراعنة ، فإن عمان تفتخر بحصون وقلاع اليعاربة والنباهنة . اهتمامات سلطنة عُمان ، بهذا التراث لا نجدها في العديد من البلدان . فقلعة (( باشطابية )) في الموصل الحدباء ، تتعرض اليوم للزوال والفناء ، هي اليوم مكبّ للنفايات ، ومُنتجع للجراثيم والمكيروبات .
(( لمثل هذا يذوب القلب من كمد ٍ إنْ كان في القلب إحساس وإيمان ُ ))
خزان سد وادي الضيقة
· من محطات الرحلة العُمانية الشيّقة ، محطة سدّ وادي الضيقة ، السد ّ في ولاية ((قريات)) ، آية من آيات الله البينات . يستوعب السد من المياه مائة ألف ألف متر مكعب ، ويعدّ معينا ً إروائيا ً لا ينضب . حين نظر إليه الشاعر أنشد :
((وما أنت خزّان المياه وطميـها وإبليزها(6) بل خازن الدر والتبر
تدفقت بالخيرات من كلّ جانب ٍ وجمّعت أقطار المنافع ِ في قُطـْـر ِ))
ميثاق شرف بين البـّر والبحر
· منح الفريق – بقيادة الهاشمي – لأعضائه رخصة ، إذ انتجعوا في منتجع برّ الجصّة . المنتجع تعشيق بين البر والبحر ، واندغام بين الموج والصخر :
((حفـّت جوانبه بكل ّ بديعــة ٍ فزها جمالا ً واستقل ّ جمالا
حتى نخيل الجانبين جميعها قامت له بحفــــاوة ٍ إجلالا ))
في بهو فندق (( الواحة )) ، اجتمع البر والبحر وسط الباحة . اجتمعا دونما صخبْ ، ودار بينهما هذا العتب ْ :
- البر : يا أبا الدر، تلقيتك بصدري ، وحملتك على صدري ، وقبـّلت أمواجك بثغري ، وبفضل أوديتي أنت تجري . فلماذا عندما تفيض ، تذهب ذهاب بغيض ؟ إتق ِّ الله يا بحر ، أعنـّي على نوائب الدهر !
- البحر : يا ذا البـِر ، ساقني الله إلى أرضك , ولم أكن في يوم ٍ ما خصمك . حملت فلكك , وأكرمت أهلك ، الذين استخرجوا من قعري ، جميع أنواع اللؤلؤ الدرّي . وزرعت في قلب ولدك المحبة ، وأنبت ّ لهم في كل ّ سنبلة مائة حبّة ، ولولا بركاتي لكنت واديا ً غير ذي زرع ، وصاديا ً غير ذي ضرع .
هكذا تكلّم البـّر في عتابه وأحسن ، وهكذا دافع البحر عن موقفه بالتي هي أحسن . ثم ،عقد الطرفان ميثاق شرف ، ألاّ يعتدي طرف على طرف . يتعهد البر بعدم رمي الخَبَثَ في البحر ، ويتعهد البحر بعدم إغراق المدر والحضر . وما إن وقع الطرفان الميثاق ، حتى التفت الساق بالساق ، فصفق لهما موج البحر ، وحفحف لهما الشجر ، وصاحا بصوت واحد رنان : تحيا عُمان . . . تحيا عُمان .
اللؤلو المكنون
·نونية الشاعر محمد نجيب المراد (7), في وصف العُمانيين َ الأجواد ، غاية ً في الحبكة والإتقان ، تصلح أن تكتب بماء الأصفر الرنان . يقول المراد :
اللؤلؤُ المكنون ُ والمرجان ُ أسرارهم حارت بها الشطآن ُ
إلى أن يقول :
ورثوا ارتداء المجد ِ مثل ثيابهم فالمكرمات لجسمهم قمصان ُ
وتماهيا ً مع هذه الأبيات ، قال صاحب التعليقات :
كل ّ الشموس ِ إذا طلعن َ كواسِف ٌ
لمّا تراك ِ ، وغيظـُهن ّ دخـــان
جعل الإله ُ لك ِ الجمــــال َ تميّــزا ً
حتى كأنـّك ِ للجنــان ِ ، جنــــان ُ
العمانيون والجواري المنشآت
· وَقَفت ْ الرحلة العُمانية ، على نماذج من سفن القوم التراثية . العُمانيون هم صنّاع الجواري المنشآت ، وبخاصة (( السفن المدرّعات )) ، صنعوها من خشب النارجيل ، وتوارثوا صناعتها جيلا ً بعد جيل . قال الفرزدق :
إذا نـُسبت عمان َ وجدت َ فيها مذاهب للسفين ِ وللصواري
العمانيون يطربُهم أنين الصواري ، ويسحرهم رنين الكناري . كانت لهم في البحر أساطيل ، وكانت لهم في الغوص وأدب البحر أساطير .
العمانيون بحـّارة أشـّداء ، لقنوا البرتغاليين المناكيد الغزاة ، دروسا ً في الشجاعة والفداء ، وأجبروهم على الانسحاب من عُمان والانكفاء . ففي معركة بحرية خاضها الصناديد ، طاردوا البرتغاليين في ساحل المحيط { والله من ورائهم محيط}، فمن رأى القتلى ، قال ما هناك أسرى ، ومَن رأى الأسرى ، قال ما هناك قتلى .
كان ذلك اليوم المشهود (8) ، يوم وليمة للدلافين والنسور والفهود ، وللشاعر العماني ، خلف بن سنان الغافري ، قصيدة في وصف تلك الواقعة .
وبـ((بومبي))(9) نابهم منــــه نابٌ لم ينبه ُ عن المضيّ انهشام ُ .
مالك بن فهم
·
استمع فريق الرحلة إلى عرض ٍ تاريخي محدود ، عن المعركة الحاسمة في ((سلوت))(10). حيث جاء الفرس بقظهم وقظاظهم ، وبخيلهم وخيلائهم .
جاءوا في أربعين ألف ، يدعمهم مائة فيل ٍ ونيف , جاءوا لخضد شوكة أهل عُمان ، وضم ّ البلاد تحت حكم (( المرزبان )) . ولما دارت رحى معركة سلوت ، مزّق العمانيون تلك الحشود ، وصيّروهم كالفراش المبثوث .
قاد المعركة مالك بن فهم ، رجل السيف والقلم ، حيث أبلى وقومه البلاء الحسن . ومالك بن فهم ، هو الذي لقي َ حتفه بسهم ، رماه به ابنه (( سَلَمَة )) ، في ليلة دآجية مظلمة ، فقال الأسد الجريح قولته الشهيرة ، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة :
أعلّمه الرماية كل َّ يوم ٍ ولّما اشتد ّ ساعده ُ رماني
وكم علّمته نظم القوافي ولمّا قال قافية ً هجــاني !
بصمة الأناقة والإتقان
·
" عُمان .. للجمال عنوان .. عُمان بصمة الأناقة والإتقان " . هكذا رسم لنا اللوحة ، الهاشمي الفنان . فالجمال في عمان معادن ، أو بالأحرى مناجم . مناجم ٌ تملأ الأنفس بهجة ً وحبورا ً، وتلقي في الأعين نضرة ً وسرورا ً . بصمة الأناقة والإتقان ، تظهر للعيان ، في كل مكان من عمان ، فالشوارع نظيفة واسعة ، والحدائق جمّة رائعة ، والأحياء والدوائر منسّقة ، والمنازل والمحالّ متـّسقة ،
والأسواق متخصصة عامرة ، والخدمات جزيلة وافرة . هذه باختصار هي عُمان ....
(( إنْ جئت زائرها ، غنـّاك طائرها
لحنا ً جميلا ً إليه القلب ُ ينجذب ))
خمائل الورد في عمان ، تستقبلك بالأحضان . الورد لم يبتسم ، إلاّ عندما يحتضن ُ بالروض الحسن ، قلت :
صاح ِ ، إن ّ النفوس في تَوَقان ِ لارتياد الربوع ِ والأفنـــانِِ ِ
إن ّ للسحر في الأقاحي((حُميّا ً))(11) هو من انثياله في مهرجـان ِ
إنني استشف من عبق الزهـر ِ احتفاءً ، يعم ّ كلَّ (( عُمان ِ))
النجم ُ والشجر ُ يسجدان
·
في كل مكان من عمان ، وجَدَت ْ الرحلة أن ّ النجم َ والشجرَ يسجدان . والنجمُ هو (( الثيّل )) المسمى (( لحية التيس )) , كما ورد
في لسان العرب والقاموس(12). النجم والشجر يسجدان عندما يبدأ الظل ّ بالدوران ، والنجم ُ (( الثيّل ُ)) في عمان : { عبقري
حِسان } (13) ، والعبقري الحسان : البُسُط السندسية الموشاة والمنقوشة بإتقان . أمّا الشجر الساجد في عمان ، فكثير متعدد الصنوف والألوان ، منه النخل
آدم الأشجار ، ومنه النرجيل الطيّب الأثمار ، ومنه اللبان ، بترول سالف الزمان ،
ومنه الفافاي(14) والطلح النضيد ؛ (الموز) الذي ورد ذكره في القرآن المجيد . الشجر في عمان ، بركات للأنام ، يزرع في أرض خوّارة(15) .
ويسقى من عين خرّارة (16) ، ففي عمان عيون نضّاخة(17) وفيها أفلاج نضّاحة . نعم ، النجم ُ والشجر ُ يسجدان في عمان { فبآيّ آلاء ربكما تكذبان } .
أوّل مكان تشرق الشمس عليه في دنيا العرب
·
من مشاهد الرحلة العمانية ذلك المشهد ، مشهد شروق الشمس في منطقة ((رأس الحد ّ)) ، حيث يتعانق خليج عُمان ببحر العرب ، بكل ّ حميمية ٍ وأدب. عشِقت ُ في رأس الحد ِ جماله الموهوب ، عشقته إن ْ في الشروق وإن ّ في الغروب ، حيث النور يأتي كالفارس على ظهر جواد مطهّم ، يخترق غلس الدجى والعَتـَم ، ويمرق مروق السهم .
الإسكندر الأكبر وصل إلى رأس الحد ، كانت إمبراطوريته لا تغرب عنها الشمس ، ثم آلت من بعده ِ إلى الركس ( كأن ْ لم تغن َ بالأمس ). لقد أنشبت ُ ألحاظي في خد ّ رأس الحد ، ولثمت ُ فاه ُ لثم من قد ألم َّ به الوجد ، ولمّا أفقت ُ من سكرتي ، أطلقت العنان لقريحتي ، وأنشدت :
لعمرك َ إن ّ ((رأس الحد ّ)) ثغر ٌ لهُ تصبو، تغازله العيــــــــون ُ
وتحتفل الثغـــــــــور ُ به افترارا ً إذا ضحكت ، وتنجذب السفين ُ
فمن شمس ٍ تعانقها غيــــــــــوم ٌ ومن طير ٍ تُضاحكه ُ الغـُصون ُ
ومن فـُلـْك ٍ تمـــيل بها ريـــــــاح ٌ ومن فـُلـْك تسير بها ضُعــــونُ
وأخــــرى عنده بلغت مداهـــــا وأخرى في البحار لها سكـون ُ
كأن ّ الموج في الدأما(18) جمان ٌ ورأس ُ الحد ّ بينهُم ُ لُجيـــــــن ُ
السـُّلحفاة .. عابرة القـــارات !
·حضر فريق الرحلة لحظات وضع السلحفاة البيض ، وضعته فوق رمال شاطئ
(( رأس الحد )) في الغيض . ثلاث عشرة آلاف سلحفاة ، تـُعشعش في هاتيك المحميات . تفد إلى السواحل العُمانية ، من دول القارات الآسيوية والأفريقية والأسترالية . تـُلقـّب ُ السلحفاة بـ (( ببنت طبق )) ، لأن درعها أشبه بالطبق ، وعظيمها يدعى (( الرّق )) .
في سامراء قرية اسمها (( الرّقة )) , تغفو على الضفة الغربية من نهر دجلة . سميت الرقة رقة ً لكثرة السلاحف في النهر ، ولما انحسر الماء بدجلة لا ندري أين حل ّ بها الدهر . فالدهر يومان ، يوم لك ويوم عليك . كنت رأيت في قريتي ((الرَّقة))(19) سلحفاة تمتاز بالوداعة والرِّقة ! فقد علت درعها جوقة من الضفادع ، وكانت جذلى لا تـُمانع ! كانت الضفادع تقيم حفلة صاخبة ، في ليلة من ليالي الربيع
الماتعة . بدا لي أن للضفادع سيمفونيات وأور كسترات ومعازف ، ولها لغى وإيقاعات تستهوي السلاحف .
والسلحفاة دابة من عجائب المخلوقات ، عُرِف عنها شدة الولع بالرحلات ! هي لا تثبت في مكان محدّد ، (( ومن عهدِها أن ْ لا يدوم لها عهد )) !
على مصيرة .. على مصيرة (20)
·
أبحر فريق الرحلة إلى جزيرة مصيرة ، على متن عّبارة جميلة . الجزيرة كانت مسرحا ً للأحداث ، وموطئ قدم للغزاة من شتى الأجناس . غزاها الإسكندر ذو القرنين ، وأتخذها منطلقا ً لغزو ما حولها من الأرضين ، بدّل اسمها إلى ((سيرابيس)) ، وعدّها درّة الإقيانوس(21). فيها قبر الملك الإغريقي (( ديفاس ))، حيث كان يحكم الجزيرة والناس . في الجزيرة أكثر من ثلاثمائة نوع من الطيور ، منها الإوز العراقي والصقور . عن الصقر العماني (( الأجدل )) تحدث الأستاذ الجنابي وأجزل ، وعن الإوزّ العراقي (( Swan سـُوان )) ، تحدث الأستاذ المراد وأبان . الصقر عادة ما يأوي إلى القمم ، وبغاث الطير تأوي إلى الرّمم . الإوز ّ العراقي هو (( طائر ألتم ّ )) ، وهو إمبراطور الوزيات الأشم ّ . وفي جزيرة مصيرة آثـار ومطامير ، أطمست معالمها السنون والأعاصير ...
(( فلله ِ ما أحلاك ِ في أنمل البـِلى
وإن ّ كنت ِ أحلى في الطروس وأكرما ))
الحوامد في عـُمان
·
في الحلقة السابعة ، من الرحلة العـُمانية الماتعة ، وتحديدا ً في قلعة بهلا ، جاء رجل إلى السيد محمد الهاشمي (22) ، ليعّرف بنفسه بأنه حامدي . الحوامد في عمان يتواجدون في منطقة الحد بولاية صحار، وفي ولايات القابل والرستاق والبركا وما جاورها من الديـــار ، ويرجعون في نسبهم إلى الإمام السجـّاد .
وفي سامراء عاصمة الخلافة العباسية ، توجد عشيرة الحوامد الهاشمية الحسينية ، نسبها ذاته نسب الحوامد في البلاد التونسية .
والحوامد هم أحفاد السيد حامد الحساني بن أبي حفص بن عبد الحفيظ بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .
يسكن الحوامد التوانسة اليوم ، في منطقة (( سيدي بوزيد )) العذية ، جنوبي القيروان وسط الجمهورية التونسية . وكان قدِم َ سيدي حامد من بغداد َ الحرّة ، في القرن السابع من الهجرة ، واستوطن منطقة (( القصر الأحمر )) بـ((جمنة)).
(( في نبعة ٍ من قريش يعصـِبون بها
ما إن ْ يوازى بأعلى نبتها الشجرُ ))
(( أُولئك آبــائي فجئني بمثلهم ... ))
مُــتنزّه البليـــد
في متنزّه (( البليد )) بصلالة ، تنزّه الخلاّن الرحّالة ، حيث الداماء ] = البحر [ يصافح السماء ، والشمس ترسل أطيافها على وجنات الماء ، وحيث السمك يداعب القصب ، و الطير تقفز من أيك ٍ إلى أيك ٍ . الطيور هناك قبائل ، تتنزه في الأسحار والأصايل ، منها العنادل والبلابل ، ومنها الكناري والقماري ، ومنها الفخاتي والكداري ، ومنها اللقالق والبواشق . كلـّها تغني على مقام عماني راجع ، وكلها ترقص على إيقاع عماني ساجع . الطيور المحرومة من نسيم الحرية ، تحسد الطيور الطليقة في البرية :
(( كم هزار ٍ صادح ٍ في قفص ٍ يحسد العصفور في زهر الرُّبى))
هزّني منظر المتنزه هزّا ً ، وأز ّ قريحتي أزا ً ، فقلت شعرا ً :
قضت الرهافة أن تزور ((صلالا))
حيث البهــــاءُ وما يـُعــد ُّ جمالا
كم عط ّ من عَبَق ِ((البليدِ)) على الربى
سحر ٌ ، يضوع ُ مع المدام ِ حلالا
أمّا الزهور ُ ، وهــــن ّ أروع ُ نابت ٍ
في الكائنـــــاتِ ، تبــــاينت أشكالا
أمّــــــــــــا الطيور ُ ، فلا موانع َ بينها
مَنـَعـَت ، ولا فزعا ً ، ولا إجفــالا
النباهنة والمتحف العسكري
· زار فريق الرحلة المتحف العسكري بمسقط ، وهو متحف شهير في الشرق الأوسط . لم ترد على لسان مدير المتحف الكريم ، كلمة واحدة عن (( النباهنة )) البهاليل . النباهنة حكموا عمان خمسة قرون كاملة , وبنوا الإمبراطورية العمانية الفاضلة . والنباهنة من قبيلة العتيق الأزدية ، وهي من جملة القبائل العربية الأبية. قال قائلهم ، (( السنهالي )) شاعرهم :
أفدي بني عمرو بن نبهان ألأٌلى أُوتوا العـُلى وتسربلوا أثوابها
تؤام (( االبريمي )) وهارون الرشيد
·
وقف فريق الرحلة العمانية ، على آثار البريمي التاريخية . أُطلق على البريمي (( تؤام ))، وكانت عاصمة عرب الشمال قبل الإسلام . أخذت البريمي اسمها من (( بريم )) ، تاجر لؤلؤ من أهلها قديم . الخليفة هارون الرشيد ، صاحب العصر الذهبي التليد ، اشترى درّة تؤامية بسبعين ألف درهم ، ولا ندري لمن أهداها – الله أعلم - .في االبريمي آثار ، تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد ، تتماهى آثارها مع آثار حضارة أم ّ النار ، وقبورها تشبه قبور (( جمدة نصر )) ، من حضارة أكد وسومر . من آثار البريمي خندقها المملوء بالماء ، حفرته قبائلها للتحصن ضد الأعداء ، يقع الخندق العميق ، في قلب واحة البريمي على الطريق ، بين صحار والخليج العربي والمضيق .
إرم َ ذات العماد
·
زار فريق الرحلة العمانية موقع شصر ، الموقع كان مأهولا ً بالبشر ، قبل خمسة آلاف سنة من عمر الدهر . وشصر , هي { إرم َ ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد } هي عاصمة شداد بن عاد ، الذي أنشأ لقومه جنة ً تعج ّ بالفساد { فصب ّ عليهم ربك سوط عذاب # إن ّ ربك لبالمرصاد }
الكاتب الإنجليزي (( لورنس العرب ))(23) , بحث عن موقع تلك الجنة وكتب . وسـّماها بـ (( الجنة المفقودة .. أطلنتس الصحراء )) ، وبقى ينقـّب عنها في العفاء, إلى أن أدركته الوفاة , ولله در ّ أبي العلاء الذي قال :
صاح ِ، هذي قبورنا تملأ الرحب َ
فأين القبور من عهد عاد ؟
اكتشاف : ابن بَطـُوطَه عُماني !
·
تردد في الرحلة العمانية ، اسم ابن بَطُوطَه (24) صاحب السمعة العالمية المجيدة. وابن بطوطة المولود بطنجة ((لواتي)) ، يدّلنا على ذلك الخبر الآتي :
اللواتية عرب أقحاح ، سكنوا عمان قبل وبعد الإسلام . ينتمون إلى ((سامة بن لؤي )) ، وهو من قريش . هاجر قسم من اللواتية من عُمان إلى المغرب ، ومنهم أسرة ابن بطوطة ولا عجب .
زار ابن بطوطة أهله في عمان ، خلال القرن الرابع عشر للميلاد ، زار نزوى وظفار ، وزار مسندم وقلهات ، وترك فيها ذكريات وبصمات . وكان ابن بطوطة اللواتي العماني باختصار :
(( كأنمّا هــو في حل ٍّ ومرتحــل ٍ
موكـّـل بفضاء الله يذرعـــــه ))
جلالة السلطان
·
اثنى المنصف الهاشمي على سيـّد عـُمان ، عاهل العدل الإحسان ، رائد الإزدهار والعمران ، وصانع الطمأنينة والأمان . فهنيئا ً للشعب العُماني بسلطانهم الدؤوب ، وهنيئا ً للسلطان بهذا الشعب الموهوب .
(( هو البحر ُ مِن أيِّ النواحي أتيته ُ
فلجـّته ُ المعروف ُ والجود ُ ساحِلـُه ْ
تعوّد َ بَسْط َ الكف ِّ حتى لو أنه
ثناها لقبض ٍ ، لم تـُطعه ُ أناملـُه ))
ركن عـُمان الشديد
·بينما كنت ورفيقة دربي العراقية ، نتابع خواتيم الرحلة العمانية ، دوّت في حيّنا موجة من الانفجارات ، فتعثرت في فينا الكلمات ، فقد تحطم الزجاج ، وتلبـّد العجاج ، وعم ّ الصراخ ، وكثر الصياح . ثم سألتني وعيناها مخضلتان بالدموع : (( ألا يحق ُ لنا أن نأوي إلى ركن ٍ عـُماني شديد ؟ ))
أجبتها وقلبي يتنزّى ألما :
بلاد ٌ ألفنــــــــاها على كلّ ِ حــالة ٍ
وقد يُولف ُ الشيءُ الذي ليس بالحسن ْ
ونستعذب ُ الأرض َ التي لا هوا ً بها
ولا ماؤها عذب ٌ ، ولكـّنها وطن ْ ))
مســندم : بوابة الخليج إلى العالم
وأخيرا ً ، أختتم فريق (( المستقلـّة )) المكرّم ، رحلة الجمال في ((مسندم)). مسندم شبه جزيرة ذات موقع متميز ، تشرف على المضيق العـُماني – هرمز . القوى القديمة والحديثة ، كانت لها مساع ٍ حثيثة ، للاستيلاء على هذه البوابة الإستراتيجية ، بغية ضمها إلى الأطماع الإمبراطورية . في القرن الثالث قبل الميلاد ، جاء الأسطول السلوقي لاحتلال البلاد ، فتصدى له العمانيون الأُباة ، تصدوا لهم بكل حزم ، ودحروهم على مقربة من ((رأس مسندم )) . ولمّا حاول البرتغاليون احتلال مسندم ، لقنهم العمانيون اليعاربة دروسا ً في الشمم ، فندموا ، ولات ساعة مندم .
في وسط البحر الشاسع ، المطـّل على مضيق هرمز الناتئ ، تنبثق من أعماق المياه إيقونات جبلية فخمة ، كأنها حيتان عملاقة ضخمة , حيتان خرجت تتنشق الهواء فتحجرت ، ثم أعجبها المكان فلبثت وتأبدّت .
وثمة جزر تلوذ بالبحر ، كجزيرة سلامة وبناتها ، وجزيرة أم ّ الغنم وأخواتها ، وجزيرة التلغراف ونظيراتها وجزيرة ((كمزارة)) وصويحباتها . جزر لا يلوّثها ضجيج أو صخب ، ولا يكدرها هوان أو نصب ، يقطنها قوم متأقلمون من ((الشحوح)) ، تبدو الطيبة والدماثة على سيماهم تلوح ، يعيشون في جزيرة بالبحر الصاخب ، لا يمكن الوصول إليها إلاّ بالقوارب .
الساحل العماني على الخليج ، ساحل لا مُتناه ٍ يفوح بالأريج ، الطريق ملتو ٍ كالثعبان ، كما في كل مكان من عمان . المنطقة سياحية بامتياز , فاتنة ساحرة محاطة بالألغاز . منها لغز خور ((شم)) ، ومنها لغز خور ((نجد)) . الخوران يتناجيان في مسندم ، حيث الطمأنينة والسَلَم . الجبل المهيب يرتفع ، ليقترب من السحب ، فتتظلل ولاية خصب . خليلي ، إذا نظرتما من شاهق ، تريا عناقا ً بين عاشقة وعاشق ، تريا منظرا ً يسحر الألباب ، منظرا ً جبليا ً بحريا ً (( مسندميا ًً)) خلاّب تغنـّي له الأطيار وهي تناطح السحاب .
((خليلي ّ فيما عشتما هل رأيتما جمالا ً كهذا يسلب القلب واللبـّا ))؟
الشيخ الكبير والهاشمي
·بعد اختتام (( المستقلة )) لرحلة العصر ، أتى إلى قبطانها رجل متقدم في العمر. أنشد بصوت مبحوح :
(( لكل ّ زمان ٍ مضى رحلة ٌ ورحلة هذا الزمان الأهَـمّ ْ)),
فرد ّ عليه الهاشمي بأدب ٍ جم : أخجلت تواضعنا يا عم ، ثم قال له الشيخ الوقور ، وكانت تبدو على سيمائه علامات السرور : (( رحلتكم يا ولدي رحلة شرود ، وسوف يدندن المدندنون لها بالعود . رحلتكم كانت بالصوت والصورة . أمّا رحلتنا فكانت قاصرة ومبتورة . ))
وهنا أكتشف الهاشمي شخصية الزائر ، فاستشهد بالقول السائر :
(( أنتم الأصل ، ونحن الفرع ، والأصل تتبعه الفروع ُ )) . علـّق الشيخ قائلا ً :
(( بخ ٍ بخ ٍ لكم على ما أسديتم ، وبخ ٍ بخ ٍ لكم على ما أديتم . طبتم , وطاب ممشاكم . ))
وما إن اغرورقت عينا (( ابن بَطـُوطة )) بالدموع ، حتى قفز الهاشمي كالملسوع ، ثم هلل ّ وكبر ّ ، وسبحل وحوقل وتلا قوله تعالى : { أضغاث أحلام ْ وما نحن بتأويل العالمين بعالمين }
1 ـ الفلّة : في الدارجة العراقية ، تعني الروعة .
2ـ أبو الطيب الحلبي : هو الموسوعي الكبير العّلامة السوري زهير سالم ، أحد أغصان شجرة (( المستقلّة )) الوارفة الظلال .
3 الشاعر العراقي عباس الجنابي : مواليد الحلة – بمحافظة بابل العراقية . هو غني عن التعريف ، فالمعروف لا يُعّرف .
4 القبيل : لغة في القبيلة .
5 من قول لأبي الطيب المتنبي :
إذا غامرت في شرفٍ مروم ٍ فلا تقنـع بما دون النجوم .
6 ـ الإبليز في لغة العرب : الضخم المكتنز .
7 . الشاعر محمد نجيب المراد ، صاحب لقب شاعر العرب : من مواليد حماه بسوريا ، من أسرة مشهورة بالعلم والفتيا والأدب
8 تاريخ الوقعة البحرية في 28/1/1650 م ، قادها الإمام سلطان بن يوسف اليعربي رحمه الله (1649-1679).
9 بومبي : مدينة بالهند كبرى . طارد العمانيون البرتغاليين هناك .
10 . موقع سلوت : في قرية (( البيساء)) بولاية بهلاء ، يبعد عن مركز الولاية حوالي 30كم إلى الجنوب .
11ـ الحميا : من أسماء الخمر
12 ـ ينظر (( لسان العرب )) : النجم ، ثيل .
13ـ العبقري الحسان : ورد ذكره في سورة الرحمن ، ينظر ((لسان العرب))عبقر .
14 ـ الفافاي : هو شجر البابايا ، وطعمه طعم المانجو .
15 . الأرض الخوّارة : السهلة اللينة .
16 العين الخرّارة : عين الماء الجارية .
17. النضاخة : الفوارة . قال تعالى { فيهما عينان نضاختان )
18 . الدأماء : البحر .
19. ولد كاتب التعليقات في قرية الرقة بسامراء عام 1946 ، وسبح مع الرق ، كما سبح عباس الجنابي في الفرات .
20ـ على مصيرة .. على مصيرة : مطلع أغنية عـُمانية خليجية قديمة .
21ـ الإقيانوس : يزعم الإغريق أنه يحيط بالعالم ، ويحمل أسامي آلهتهم ، وله ذكر في الأساطير الإغريقية .
22 ـ الدكتور محمد الهاشمي بن يوسف بن علي الحامدي : من مواليد سيدي بوزيد . أسس قناة المستقلة الفضائية عام 1999 في لندن ، وهي صوت الحق ومنبر الشرفاء والأصلاء.
23. لورنس العرب : هو توماس أدوارد لورنس (1888-1935) ، مغامر وكاتب إنجليزي ، صاحب كتاب (( أعمدة الحكم السبعة )).
24 ـ ابن بطوطه : بفتح الباء , ورفع الطاء الأولى , وفتح الطاء الثانية ، مع التخفيف